الأنانية سبب أول خطيئة في الوجود
الناس أصناف، منهم من يستأثر بالشيء من حظوظ الدنيا دون الآخر ومنهم من "يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة" "الحشر9". فالأثرة عكس الإيثار، ولهذا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يمشي مع بعض أصحابه فانقطع شسع نعله "أحد سيوره"، فخلع أحد أصحابه نعله ليُلبسه للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام "إنها أثرة ولا أحب الأثرة".
لقد أفادنا القرآن أن الأنانية كانت سبب أول خطيئة وجدت منذ بدء الخليقة من خلال ذكره قصة امتناع إبليس عن امتثال أمر الله في السجود لآدم بعد أن خلقه الله، فكان السبب هو "الأنا" وحب الذات وازدراء الآخر. قال الله تعالى "وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ، قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ" "الأعراف11- 12".
لقد عرف بعض المفكرين الأنانية بقوله "الأنانية ليست أن تحب نفسك فقط، وتسعى لخير نفسك فقط وإنما الأنانية هي أن تفرض على غيرك أن يعيش كما تريد له أنت أن يعيش".. ومن الأقوال قول "دايفد هيوم" "دمار العالم ولا خدش في إصبعي" وقال محمد فريد أبو حديد "أفضل الناس هو أجدرهم بالإكبار، وأقساهم قدرا هو الأناني الذي يزاحم لكي يخطف ما ليس من حقه، وأحقرهم هو الذي يعتدي على الآخرين بقوته أو سلطانه". وقد نبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود إنه "ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها" قالوا "يا رسول الله: كيف تأمر من أدرك ذلك منا؟" قال "تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم".
فكيف عالج الإسلام هذا السلوك المنبوذ؟ كشف الإسلام عن حقائق فطرية، فتعرض إلى شهوات الإنسان الداخلية ورغباته الذاتية على أنها أمر واقع فطر الله الخلق عليه، "زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب" "آل عمران14". فالله تعالى زين للناس حب الدنيا بكل ما فيها وأصبح هذا الحب غريزة تدفع الناس للاشتهاء والغلو في الزيادة وغيرها من المغريات. لكن دعا الإسلام إلى اجتناب الغلو ليسعد في الدنيا والآخرة "والذين تبوّؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون" "الحشر9".
الإسلام ذمّ سلوك الانغلاق على النفس واعتبره سجن الأنانية وحضّ على الخروج من أسر "الأنا" وضيق أفق الذات، ليعيش مع الآخرين همومهم ويشاركهم في شؤونهم العامة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من لم يهتم لأمر المسلمين فليس منهم، ومن لم يصبح ولم يمس ناصحا لله ولرسوله، ولكتابه ولإمامه وللمسلمين عامة فليس منا". وقال أيضا "من أصبح والدنيا أكبر همه فليس من الله في شيء ومن لم يهتم للمسلمين فليس منهم". ومن الأحاديث "ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه".
فما هي الأمراض التي تنتج عن الأنانية وحب الذات؟ أمراض كثيرة خطيرة منها: الكبر، فالإنسان إذا استولت عليه أنانيته عظم نفسه وازدرى الآخر؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر". والحقد، فالإنسان الذي إذا شعر أن أحدا أساء له ولو عن غير قصد لن يغفر له. قيل لرسول الله "أي الناس أفضل؟" قال "كل مخموم القلب صدوق اللسان" قالوا "ما مخموم القلب؟" قال "هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد". والحسد: الأناني هنا إذا رأى شيئا مما عند الآخرين ليس عنده، تمنى زواله عنهم وحصوله لديه، قال صلى الله عليه وسلم "لا يجتمع في قلب عبد الإيمان والحسد".
والتنافس في الدنيا: فالأناني هنا لا يبالي في سبيل حصوله على ما ينقصه من شيء أي طريق يسلك وأي وسيلة يطلب، قال صلى الله عليه وسلم "أخشى أن تبسط عليكم الدنيا فتنافسوها وتهلككم". وقطيعة الرحم: هنا الأناني مستعد في كل وقت أن يقاطع الآخرين مهما كانت درجة قرابتهم له إذا شعر أن علاقته بهم سوف تكلفه التنازل عن بعض حاجاته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم".
وظلم الناس حقوقهم: وهنا الأناني في سبيل تلبية حاجاته لا يهتم إن كان قد أكل شيئا من أموال الآخرين أو ظلمهم شيئا من حقوقهم. والغضب: يحرص هنا الأناني على جلب المصلحة له والحفاظ على ما يحيط به فإن انتهك شيء مما يخصه أو فاتته منفعة اشتد غضبه ولم يبال بما حوله. قال الرسول صلى الله عليه وسلم "لا تغضب فإن الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل". والبخل والشح: فالأناني بهذه الصفة يحرص على أشيائه، وما يلوذ به يصعب عليه أن يخرج عن شيء منها، قال الرسول صلى الله عليه وسلم "اتقوا الشح فإنه أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم".
فهل من حلول إسلامية لتطهير المسلم من هذه الصفات التي لها علاقة بالأنانية؟ نعم يمكن بالتطلع لما عند الله والرغبة فيه، فبالصبر ينال الإنسان خيرا "ذلك متاع الدنيا والله عنده حسن المآب، قل أونبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد" "آل عمران14- 15".
وكان صلى الله عليه وسلم يقول بكثرة "اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة"، ويمكن بالرضا بما قدره الله. لقد قارن الله بين من يرضى بما قسم الله له وبين الذي يسخط، "ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون، ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون" "التوبة58- 89". ومجاهدة النفس بدفع شدة شهوتها ورغبتها في حظوظ الدنيا، قال الله تعالى "قد أفلح من تزكى، وذكر اسم ربه فصلى، بل تؤثرون الحياة الدنيا، والآخرة خير وأبقى" "الأعلى14- 17".
والدعوة إلى الإيثار وهي أعلى درجة للتحرر من قيد الأثرة والأنانية، وفيه قهر لسلطان "الأنا" والذات فيصير المؤمن إنسانا كامل الإنسانية يقدم حظ الآخرين على حظ نفسه وسرورهم وحاجتهم على سروره وحاجته، وهناك أمثلة عديدة؛ من ذلك: خرج عبد الله بن جعفر إلى ضيعة له، فنزل على نخل قوم فيها غلام أسود يقوم عليها، فأتى بثلاثة أقراص، فدخل كلب فدنا منه فرمى إليه بقرص فأكله، ثم رمى إليه بالثاني والثالث فأكلهما، وعبد الله ينظر إليه، فقال: يا غلام كم قوتك كل يوم؟ قال: ما رأيت. قال: لم آثرت الكلب؟ فقال الغلام: لأن أرضنا ليست بأرض كلاب وأخاله قد جاء من مسافة بعيدة جائعا فكرهت رده. قال عبد الله: فما كنت صانعا اليوم؟ قال: أطوي يومي هذا؛ فقال عبد الله بن جعفر: والله إن هذا لأسخى مني فاشترى النخل والعبد وأعتقه لوجه الله ووهب ذلك له.
فالأنانية شر الشرور، ومنبع الرذائل، والمسلم المؤمن إن حافظ على الاعتدال بلغ درجة الكمال، قال سماحة الشيخ محمد المهيري رحمه الله "قلب المؤمن هو وطن الإسلام وهو محل إقامته على الدوام، فيلزم أن تتحد القلوب على نصرة هذا الدين، وأن يكون في كل قلب مؤمن رأفة ورحمة لأخيه المسلم يفرح لأفراحه ويحزن لحزنه وأتراحه، يعينه عند الشدائد ويحميه من المكائد وإعانة كل واحد بما في وسعه وطاقته، ولو أن تفرغ من دلوك في دلو أخيك لقضاء حاجته، فلا تغتر بدار الغرور واذكر يوم تنقل إلى القبور يوم يتركك الأهل والإخوان وحيدا فريدا ولا ينفعك ولد لا تؤدبه بأدب الإسلام".
الناس أصناف، منهم من يستأثر بالشيء من حظوظ الدنيا دون الآخر ومنهم من "يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة" "الحشر9". فالأثرة عكس الإيثار، ولهذا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يمشي مع بعض أصحابه فانقطع شسع نعله "أحد سيوره"، فخلع أحد أصحابه نعله ليُلبسه للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام "إنها أثرة ولا أحب الأثرة".
لقد أفادنا القرآن أن الأنانية كانت سبب أول خطيئة وجدت منذ بدء الخليقة من خلال ذكره قصة امتناع إبليس عن امتثال أمر الله في السجود لآدم بعد أن خلقه الله، فكان السبب هو "الأنا" وحب الذات وازدراء الآخر. قال الله تعالى "وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ، قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ" "الأعراف11- 12".
لقد عرف بعض المفكرين الأنانية بقوله "الأنانية ليست أن تحب نفسك فقط، وتسعى لخير نفسك فقط وإنما الأنانية هي أن تفرض على غيرك أن يعيش كما تريد له أنت أن يعيش".. ومن الأقوال قول "دايفد هيوم" "دمار العالم ولا خدش في إصبعي" وقال محمد فريد أبو حديد "أفضل الناس هو أجدرهم بالإكبار، وأقساهم قدرا هو الأناني الذي يزاحم لكي يخطف ما ليس من حقه، وأحقرهم هو الذي يعتدي على الآخرين بقوته أو سلطانه". وقد نبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود إنه "ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها" قالوا "يا رسول الله: كيف تأمر من أدرك ذلك منا؟" قال "تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم".
فكيف عالج الإسلام هذا السلوك المنبوذ؟ كشف الإسلام عن حقائق فطرية، فتعرض إلى شهوات الإنسان الداخلية ورغباته الذاتية على أنها أمر واقع فطر الله الخلق عليه، "زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب" "آل عمران14". فالله تعالى زين للناس حب الدنيا بكل ما فيها وأصبح هذا الحب غريزة تدفع الناس للاشتهاء والغلو في الزيادة وغيرها من المغريات. لكن دعا الإسلام إلى اجتناب الغلو ليسعد في الدنيا والآخرة "والذين تبوّؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون" "الحشر9".
الإسلام ذمّ سلوك الانغلاق على النفس واعتبره سجن الأنانية وحضّ على الخروج من أسر "الأنا" وضيق أفق الذات، ليعيش مع الآخرين همومهم ويشاركهم في شؤونهم العامة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من لم يهتم لأمر المسلمين فليس منهم، ومن لم يصبح ولم يمس ناصحا لله ولرسوله، ولكتابه ولإمامه وللمسلمين عامة فليس منا". وقال أيضا "من أصبح والدنيا أكبر همه فليس من الله في شيء ومن لم يهتم للمسلمين فليس منهم". ومن الأحاديث "ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه".
فما هي الأمراض التي تنتج عن الأنانية وحب الذات؟ أمراض كثيرة خطيرة منها: الكبر، فالإنسان إذا استولت عليه أنانيته عظم نفسه وازدرى الآخر؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر". والحقد، فالإنسان الذي إذا شعر أن أحدا أساء له ولو عن غير قصد لن يغفر له. قيل لرسول الله "أي الناس أفضل؟" قال "كل مخموم القلب صدوق اللسان" قالوا "ما مخموم القلب؟" قال "هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد". والحسد: الأناني هنا إذا رأى شيئا مما عند الآخرين ليس عنده، تمنى زواله عنهم وحصوله لديه، قال صلى الله عليه وسلم "لا يجتمع في قلب عبد الإيمان والحسد".
والتنافس في الدنيا: فالأناني هنا لا يبالي في سبيل حصوله على ما ينقصه من شيء أي طريق يسلك وأي وسيلة يطلب، قال صلى الله عليه وسلم "أخشى أن تبسط عليكم الدنيا فتنافسوها وتهلككم". وقطيعة الرحم: هنا الأناني مستعد في كل وقت أن يقاطع الآخرين مهما كانت درجة قرابتهم له إذا شعر أن علاقته بهم سوف تكلفه التنازل عن بعض حاجاته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم".
وظلم الناس حقوقهم: وهنا الأناني في سبيل تلبية حاجاته لا يهتم إن كان قد أكل شيئا من أموال الآخرين أو ظلمهم شيئا من حقوقهم. والغضب: يحرص هنا الأناني على جلب المصلحة له والحفاظ على ما يحيط به فإن انتهك شيء مما يخصه أو فاتته منفعة اشتد غضبه ولم يبال بما حوله. قال الرسول صلى الله عليه وسلم "لا تغضب فإن الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل". والبخل والشح: فالأناني بهذه الصفة يحرص على أشيائه، وما يلوذ به يصعب عليه أن يخرج عن شيء منها، قال الرسول صلى الله عليه وسلم "اتقوا الشح فإنه أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم".
فهل من حلول إسلامية لتطهير المسلم من هذه الصفات التي لها علاقة بالأنانية؟ نعم يمكن بالتطلع لما عند الله والرغبة فيه، فبالصبر ينال الإنسان خيرا "ذلك متاع الدنيا والله عنده حسن المآب، قل أونبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد" "آل عمران14- 15".
وكان صلى الله عليه وسلم يقول بكثرة "اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة"، ويمكن بالرضا بما قدره الله. لقد قارن الله بين من يرضى بما قسم الله له وبين الذي يسخط، "ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون، ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون" "التوبة58- 89". ومجاهدة النفس بدفع شدة شهوتها ورغبتها في حظوظ الدنيا، قال الله تعالى "قد أفلح من تزكى، وذكر اسم ربه فصلى، بل تؤثرون الحياة الدنيا، والآخرة خير وأبقى" "الأعلى14- 17".
والدعوة إلى الإيثار وهي أعلى درجة للتحرر من قيد الأثرة والأنانية، وفيه قهر لسلطان "الأنا" والذات فيصير المؤمن إنسانا كامل الإنسانية يقدم حظ الآخرين على حظ نفسه وسرورهم وحاجتهم على سروره وحاجته، وهناك أمثلة عديدة؛ من ذلك: خرج عبد الله بن جعفر إلى ضيعة له، فنزل على نخل قوم فيها غلام أسود يقوم عليها، فأتى بثلاثة أقراص، فدخل كلب فدنا منه فرمى إليه بقرص فأكله، ثم رمى إليه بالثاني والثالث فأكلهما، وعبد الله ينظر إليه، فقال: يا غلام كم قوتك كل يوم؟ قال: ما رأيت. قال: لم آثرت الكلب؟ فقال الغلام: لأن أرضنا ليست بأرض كلاب وأخاله قد جاء من مسافة بعيدة جائعا فكرهت رده. قال عبد الله: فما كنت صانعا اليوم؟ قال: أطوي يومي هذا؛ فقال عبد الله بن جعفر: والله إن هذا لأسخى مني فاشترى النخل والعبد وأعتقه لوجه الله ووهب ذلك له.
فالأنانية شر الشرور، ومنبع الرذائل، والمسلم المؤمن إن حافظ على الاعتدال بلغ درجة الكمال، قال سماحة الشيخ محمد المهيري رحمه الله "قلب المؤمن هو وطن الإسلام وهو محل إقامته على الدوام، فيلزم أن تتحد القلوب على نصرة هذا الدين، وأن يكون في كل قلب مؤمن رأفة ورحمة لأخيه المسلم يفرح لأفراحه ويحزن لحزنه وأتراحه، يعينه عند الشدائد ويحميه من المكائد وإعانة كل واحد بما في وسعه وطاقته، ولو أن تفرغ من دلوك في دلو أخيك لقضاء حاجته، فلا تغتر بدار الغرور واذكر يوم تنقل إلى القبور يوم يتركك الأهل والإخوان وحيدا فريدا ولا ينفعك ولد لا تؤدبه بأدب الإسلام".